
سارة الطيب تكتب: مفتاح القارة في اليد، ولكن الباب مازال مغلقاً مخ
في الوقت الذي يتحرّك فيه العالم بخطى حثيثة نحو إعادة رسم الخرائط السياسية، يعود “ترمب” و”بوتين” إلى الواجهة، وتُعاد صياغة المعادلات الدولية فوق طاولات القرار، يشهد السودان فراغًا رسميًا مؤلمًا في واحدة من أهم وزاراته الخارجية.
وفي الوقت الذي يتصافح فيه ترمب وبوتين لضبط موازين القوى العالمية، تتحرك التكتلات الإقليمية والدول تتسابق على النفوذ، بينما *السودان يقف في مفترق طرق خطيرة*، مثقلًا بالحرب والدمار، ومفتقدًا لأدوات تمثيل تليق بثقله وموقعه ودوره.
لقد كشف فراغ وزارة الخارجية السودانية – وهي واحدة من أهم مؤسسات الدولة – عن *ثغرة خطيرة* في الجبهة السياسية، في وقت يُفترض أن تكون الدبلوماسية في مقدمة أدوات الدفاع عن السيادة والوطن. وبينما ينشغل الداخل بتوزيع المناصب حيث تُكتب معادلات جديدة في الإقليم والعالم دون حضور حقيقي للخرطوم
ومع ذلك، فإن التأريخ والجغرافيا لا ينتظران أحدًا. فـ السودان ليس دولة عابرة في الخريطة، بل هو مفتاح القارة الأفريقية سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا. موقعه الجغرافي، وعمقه التأريخي، وشعبه المتنوع الصبور، كل ذلك يؤهله ليكون محورًا لا هامشًا، لكن بشرط أن يملك قراره، ويعيد هندسة مؤسساته، ويملأ فراغاته برجال دولة لا مجرد شاغلي كراسي.
في ظل ما يمر به السودان من حرب طاحنة، ما زالت الفرص قائمة لاستعادة مكانتنا، بشرط أن نستوعب أن العالم لا ينتظر المترددين، ولا يتعامل مع الدول المنقسمة أو العاجزة عن مخاطبة العالم بلغة المصالح والشرعية.
وفي مشهد تغيب الرؤية الواضحة فيه ويتعطّل الدور السيادي الذي يُفترض أن يُعبّر عن شعبٍ يخوض معركة بقاء وكرامة
يجب أن نغادر عقلية التبرير والصراع على المناصب، وأن نستثمر الدعم الدولي المتزايد لشرعية الدولة السودانية، كما ورد في بيان مجلس الأمن في 13 أغسطس 2025، ونُفعّل أدواتنا السياسية والدبلوماسية بجدية، لا أن نترك ساحاتنا فارغة بينما تُفرش السجادات الحمراء لغيرنا، وتُرسم خرائط المنطقة بغيابنا.
فالسودان الذي خاض معركة الكرامة نيابةً عن كل أفريقيا، لا يجب أن يُدار بعقلية التجريب أو التوازنات الهشة، بل يجب أن يعود إلى حجمه الطبيعي في القارة، كدولة مركز، ومفتاح استقرار، وجسر بين شمال أفريقيا وعمقها الجنوبي.
إذا أردنا أن نكون حاضرين في المشهد الدولي لا موضوعًا فيه، فعلينا إعادة بناء مؤسساتنا، ملء فراغاتنا، وتوحيد جبهتنا السياسية والدبلوماسية والسودان الان بين خيارين لا ثالث لهما:
إما أن نُعيد الإمساك بخيوط الدولة، ونملأ فراغاتها برجال دولة حقيقيين،
أو نترك المقعد فارغًا بينما الطائرات تُحلّق في مراسم الآخرين، والسجاد الأحمر يُفرش لاستقبالات لا مكان لنا فيها.
لكننا نؤمن، رغم الألم، أن لك يا سودان موعدًا مع العافية…
وأن هذا الشعب، الذي صبر طويلاً، لن يُقصى من مشهد الكرامة، مهما تأخر الدور، أو ضاق الأفق.