الثقافة والفنون

صناعة التفاهة: حين يصبح الغثاء قادة للرأي بقلم: لام دينق نوت شول 

الخرطوم : منصة امدرمان الإخبارية

صناعة التفاهة: حين يصبح الغثاء قادة للرأي

بقلم: لام دينق نوت شول

في زمن يُفترض أنه زمن الانفتاح والتقدّم، نعيش مفارقة مرعبة: أشخاص لا يَسْوُون مثقال ذرة عقل أو قيمة، تحوّلوا بقدرة خوارزميات وتفاهة جمهور إلى “صنّاع محتوى” وواجهات مجتمع. أصبح من يصرخ في الكاميرا أو يرقص على سطح سيارة هو من يُتابَع، ويُقَلَّد، ويُستَشهَد به.

 

فأي مجتمع هذا الذي يُصفق للسطحي ويُقصي العميق؟

 

لم تعد وسائل الإعلام ولا المنصات الرقمية تُكافئ الذكاء، بل باتت تسوّق لمن يُجيد “التمثيل على الناس” لا التفكير معهم. بات مقياس النجاح لا يُقاس بعدد الكتب المقروءة، بل بعدد المتابعين، عدد اللايكات، وعدد “الترندات” التي وصل إليها تفاهة المحتوى.

وهكذا تحوّلت القيم من:

– ماذا تقول؟

إلى:

– كم عدد من شاهدك؟

 

صعود نكرات الوعي

 

لم يكن أحد يسمع بهؤلاء، لا في الجامعات، ولا في الساحات الفكرية، ولا في أي ميدان حقيقي. فجأة، وبلا سابق إنجاز، أصبحوا يتحدثون باسم “الشباب”، يدّعون تمثيل “الشارع”، ويُمنحون منابر ليتحدثوا عن كل شيء، بينما هم في الحقيقة لا يعرفون شيئًا إلا كيف يلفتون الانتباه.

 

هذه “النكرات” أصبحت مؤثرة لأن المنصات الرقمية لا تسأل عن القيمة بل عن التفاعل، لا تهمها المعاني بل الصراخ، لا تبحث عن الوعي بل عن الصدمة.

 

ولكن، دعونا نكون صرحاء: المشكلة ليست في صانعي التفاهة وحدهم، بل في جمهور التفاهة. من الذي رفع هؤلاء؟ من الذي جعلهم واجهات؟ من الذي وضعهم في صدارة المشهد؟ إنه جمهور يبحث عن الإلهاء بدل الإلهام، عن الضحك بدل الفهم، عن الهروب من الوجع بدل مواجهته.

 

فلا تلوموا المهرّج، بل من يشتري التذاكر لرؤيته كل ليلة.

 

ما يحصل اليوم هو ليس مجرد فوضى محتوى، بل إعادة تشكيل وعي أمة على يد الجهلاء. يُخدر الناس بمقاطع “الفلان” وهو يتحدث عن نفسه، وعن “مغامراته”، وعن تفاهات لا تصنع وعيًا ولا تقدمًا، بل تُكرّس الرداءة والابتذال.

نحن أمام حالة تشبه “السرطان الإعلامي” الذي يأكل القيم ويفرز خُلايا خبيثة على شكل مؤثرين.

 

صناعة التفاهة لا تنجح إلا عندما يصمت العقلاء. حين يُترك الميدان للغثاء، يصبحون هم أصحاب القرار والرأي والمكانة.

فإن لم نكتب، ونواجه، ونكشف، ونفضح، فإن القاع سيبقى يُنتج المزيد من الأصوات العالية، لكن الفارغة.

منصة أمدرمان

مصدر موثوق للأخبار والمعلومات، تقدم تغطية شاملة ومحدثة للأحداث الجارية في السودان والعالم العربي. تأسست المنصة بهدف توفير محتوى إعلامي عالي الجودة، يعكس التنوع الثقافي والسياسي والاقتصادي في المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى